الأسباب التي تجعلنا نفرح بالجواب المسكت، ويحلو لنا سماعه هو أنه أولاً يأتي في الوقت المناسب تماماً، ولأنه ثانياً يدل على ذكاء خارق، وثالثة لأنه ـ في الغالب ـ جزاء فوري وصاعق للمخطئ، فالإنسان إذاتجرأ بالخطأ على غيره بتهكم أو تحقير أو سؤال ساخر وجاءه الجواب الذي يلقمه حجراً أثار من الحاضرين التصفيق والإعجاب.. وكل شيء في وقته المناسب يحلو سماعه، المَثل الذي يجيء في وقته، وشاهد الشعر الذي يقال في موصفه والجواب المسكت الذي يسد تلك الثلمة الكبيرة التي ثلمها المخطئ ويلطسها تماماً بقذيفة فيصيبنا بالدهشة والسرور!
حتى الذي يتلقى الجواب المسكت، المفحم، يعجب بهذا الجواب وإن كان قد أخرسه، ولا يغضب إذا كان عاقلاً، لأنه هو البادئ بالخطأ، والبادئ أظلم، وبعض الحكماء والباحثين عن الطرائف والحلماء يثيرون المشهورين بقوة البديهة وسداد الجواب وسرعته، عامدين، ليظفروا بجواب يمتعهم ويدهشهم، ومن هؤلاء معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، وكان من دهاة العرب المشهورين، وحلمائها المعدودين قال مرة لعقيل بن أبي طالب، وعقيل ـ يعرف معاوية أنه صاحب جواب لاذع ـ قال له أمام الناس:
ـ هذا عقيل عمُّه أبولهب!
فقال عقيل فوراً:
ـ وهذا معاوية عمته حمَّالة الحطب!
ودخل على معاوية خرُيم الناعم، وكان ذا بديهة وجواب، وفيما هو يمشي في المجلس قال له معاوية يثيره:
ـ ما أجمل ساقيك على جارية!
فقال بسرعة:
ـ في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين!
وكان لمعاوية عجيزة كبيرة، فضحك معاوية وقال:
جواب بجواب.. والبادئ أظلم!
َ َ َ
ويكثر بين الأدباء حك بدائههم بالتعليق على بعضهم، خاصة المشهورين منهم بخفة الدم وسرعة قلب المقصد على المتكلم.. ومن هؤلاء حافظ ابراهيم.. كان مرة جالساً في حديقة منزله بحلوان ومعه أصدقاء، والحديقة مكشوفة على الشارع، فجاء عبدالعزيز البشري مقبلاً ـ وكان ذا تعليقات طريفة ـ وحين دخل الحديقة بادر حافظ ابراهيم قائلاً:
ـ حافظ!.. لقد رأيتك من بعيد فظننت انك امرأة!
قال حافظ على الفور:
ـ يبدو أن نظرنا جميعاً ضعيف، فأنا أيضاً نظرتُك وأنت قادم فظننت أنك رجل!
وفي أحد المحافل الأدبية قال كاتبٌ لبرنارد شو بصلف: أنا أفضل منك، فأنت تكتب من أجل المال وأنا اكتب من أجل الشرف، فرد شو فوراً:
ـ صدقتَ!.. كلُ منَّا يبحث عما ينقصه!
وجلس حافظ إبراهيم والدكتور ابراهيم ناجي متقابلين بينهما طاولة فوقها نرد يلعبانه ففاز ناجي بسرعة وأخذه الزهو بذكائه وغباء صاحبه فصرخ به: ما الفرق بينك وبين الحمار؟! فقال حافظ فوراً:
الطاولة!
7وجمعت وليمة حافلة الشاعر الانجليزي الشهير "توماس هاردي" بثري مُحدث نعمة قال له بعد أن تذوق الأطباق اللذيذة وهو يمسِّد بطنه:
ـ مستر هاردي!.. اعتقد ان وجود طباخ أنفع من وجود شاعر؟!
فرد وهو ينظر إليه:
ـ كُلُّ كلبٍ في المدينة يعتقد ذلك!!!
َ َ َ
اشترى سليمان بن عبدالملك جارية بألف درهم وكان معه ابن عمه هشام فاشترى هذا عمامة فاخرة بألف درهم، فالتفت عليه سليمان غاضباً وقال:
ـ ما رأيتُ أشد إسرافاً منك، تشتري عمامة بألف درهم؟
فقال هشام:
ـ أنا أعقل منك! اشتريت لأنفس أعضائى بألف، وأنت أشتريت لأخسِّ أعضائك بألف!
7ومما يجعل الجواب المسكت أكثر حلاوةً أن يأتي رداً ساخراً ومفحماً لجاهل مركب يتكلم بما لا يعلم، يتعالم وهو جاهل..
ورد في كتاب (عيون الأنباء) أن الحجاج وجد صداعاً في رأسه فبعث إلى الطبيب المشهور "تياذوق" وأحضره، فلما فحصه قال:
ـ أيها الأمير اغسل رجليك بماءٍ حار وادهنهما
فقال عبد فحصي واقف على رأس الحجاج:
ـ والله ما رأيتُ طبيباً أجهل منك! يشكو لك الأمير من رأسه فتداوي رجليه؟!!
فنظر إليه الطبيب وقال:
ـ آيةُ ذلك ظاهرةٌ فيك! فقد نزعَتء خصيتاك
فذهب شعر لحيتك!!
فضحك الحجاج حتى استلقى ثم قال:
آه.. أحس أنني بهذا الجواب برئتُ من الصداع!
والحجاج عموماً كان يتلقى أجوبة لاذعة من زعماء الخوارج الذين لا يخافون! قال مرة لأحدهم:
والله إني لأبغضك، فقال: أدخل الله أشدَّنا بغضاً لصاحبه الجنة! وأتي مرة بامرأة من الخوارج كانت تقاتل ضد جنده مع الخوارج، فجعل يكلمها وهي لا تنظر إليه، فقال لها أحد الجالسين بغضب: الأمير يكلمك وأنتِ لا تنظرين إليه؟! فقالت: إني لأستحي أن أنظر إلى من لا ينظر الله إليه!
وجيء بجمع من المقاتلين الخوارج إلى مجلس الحجاج مأسورين فأمر بقتلهم واحداً واحداً إلا من شهد على نفسه بالنفاق قبل أن يقتل فيطلق، فقليلٌ منهم شهد على نفسه بالنفاق لينجو وأكثرهم صبر على القتل، فلما أخذ للساحة شيخ منهم قال الحجاج:
هذا شيخ لا يشهد على نفسه بالنفاق!
فقال الشيخ:
ـ أَعن نفسي تُخادعني يا حجاج؟!.. أنا رأس المنافقين!!
(يا روح ما بعدك روح)!
َ َ َ
ورجال السياسة في حاجة إلى سرعة البديهة وسداد الجواب، خاصة في المواقف العامة حين ينطق سفيه يحتاج إلى إخراس، فبينما كان ونستون تشرشل منهمكاً في إلقاء خطاب اثناء حملته الانتخابية قاطعته امرأة وهي تصرخ غاضبة:
ـ اسكت!. والله لو كنتَ زوجي لوضعت لك السم في القهوة! فرد بسرعة:
ـ والله لو كنتُ زوجك لشربت القهوة بالسم فوراً !
زار الاديب توفيق الحكيم صديقا له صاحب محل بيع أحذيه فأهداه الصديق حذاء ومعه بيتين من الشعر ..
لقد أهديت الى توفبق حذاء # فقال الحاسدون وما عليه
أما قال الفتى العربي يوما # شبيه الشئ منجذب اليه
فرد الاديب عليه
لو كان يهدى الى الانسان قيمته # لكنت أستاهل الدنيا وما فيها
لكن قبلت هذا النعل معتقدا # أن الهدايا على مقدار مهديها .
موضوع: هل أنت سريع البديهه في الاجابه والرد ............ردود قويه 
الثلاثاء 29 ديسمبر 2009, 08:17